قوله تعالى: {يا أيها الناس ضُرب مَثَل} قال الأخفش: إِن قيل: أين المَثَل؟فالجواب: أنه ليس هاهنا مثَل، وإِنما المعنى: يا أيها الناس ضُرب لي مَثَل، أي: شبّهت بي الأوثان {فاستمعوا} لهذا المثل. وتأويل الآية: جعل المشركون الأصنام شركائي فعبدوها معي فاستمِعوا حالها؛ ثم بيَّن ذلك بقوله: {إِن الذين تدْعُون} أي: تعبدون {من دون الله}، وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وابن أبي عبلة: {يدعون} بالياء المفتوحة. وقرأ ابن السميفع، وأبو رجاء، وعاصم الجحدري: {يُدْعون} بضم الياء وفتح العين، يعني: الأصنام، {لن يَخْلُقوا ذُباباً} والذباب واحد، والجمع القليل: أذِبَّة، والكثير: الذّبّان، مثل: غُراب وأَغْرِبة وغِرْبان؛ وقيل: إِنما خص الذُّباب لمهانته واستقذاره وكثرته. {ولو اجتمعوا} يعني: الأصنام {له} أي: لخَلْقِه، {وإِن يَسلبهم} يعني: الأصنام؛ قال ابن عباس: كانوا يطلون أصنامهم بالزعفران فيجفّ، فيأتي الذباب فيختلسه. وقال ابن جريج: كانوا إِذا طيَّبوا أصنامهم عجنوا طيبهم بشيء من الحلواء، كالعسل ونحوه، فيقع عليها الذباب فيسلبها إِياه، فلا تستطيع الآلهة ولا مَنْ عبَدها أن يمنعه ذلك. وقال السدي: كانوا يجعلون للآلهة طعاماً، فيقع الذباب عليه فيأكل منه. قال ثعلب: وإِنما قال: {لا يستنقذوه منه} فجعل أفعال الآلهة كأفعال الآدميين، إِذ كانوا يعظِّمونها ويذبحون لها وتُخاطَب، كقوله: {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم} [النمل: 18] لمَّا خاطبهم جعلهم كالآدميين، ومثله: {رأيتهم لي ساجدين} [يوسف: 4]، وقد بيَّنَّا هذا المعنى في [الأعراف: 191] عند قوله تعالى: {وهم يُخْلَقون}.قوله تعالى: {ضَعُفَ الطالب والمطلوب} فيه ثلاثة أقوال.أحدها: أن الطالب: الصنم، والمطلوب: الذباب. رواه عطاء عن ابن عباس.والثاني: الطالب: الذباب يطلب ما يسلبُه من الطيِّب الذي على الصنم، والمطلوب: الصنم يطلب الذباب منه سَلْبَ ما عليه، روي عن ابن عباس أيضاً.والثالث: الطالب: عابد الصنم يطلب التقرُّب بعبادته، والمطلوب: الصنم، هذا معنى قول الضحاك، والسدي.قوله تعالى: {ما قَدَرُوا الله حق قدره} أي: ما عظّموه حق عظمته، إِذ جعلوا هذه الأصنام شركاء له {إِن الله لقويّ} لا يُقْهَر {عزيز} لا يُرَام.